تقدم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا آخذين بالحيطة والحذر من
بداية أمرهم ، وذلك بالحراسة والبيات مع السلاح ، فلما نزلا الإذن بالقتال
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب البعوث والدوريات العسكرية ، ويؤمر
عليها أحداً من أصحابه ، وهي المسماة بالسرية ، وربما خرج فيها بنفسه وهي
المسماة بالغزوة ، وكان المقصود منها :
1 – استكشاف حركات العدو ، وتأمين أطراف المدينة ، حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة .
2
– الضغط على قريش بالتعرض لقوافلهم حتى يشعروا بالخطر على تجارتهم
وأموالهم وأنفسهم ، فإما أن يفيقوا عن غيهم ، ويسالموا المسلمين ويتركوهم
على حريتهم في نشر الإسلام والعمل به ، وهذا غاية ما كان يتمناه المسلمون
أو يختاروا طريق الحرب والقتال فيخسروا أولاً طريق تجارتهم ، لأنها كانت
تمر بأطراف المدينة ، ويلقوا ثانياً جزاء شرهم وعدوانهم بإذن الله ونصره
لعباده المؤمنين ، وهذا الذي وقعت الإشارة إليه في كلام الله سبحانه وتعالى
مراراً .
3 – عقد مواثيق التحالف ، أو عدم الإعتداء مع قبائل أخرى .
4 – إبلاغ رسالة الله ، ونشر دعوة الإسلام قولاً وعملاً .
وأول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية تسمى بسيف
البحر بعثها في رمضان في السنة الأولى من الهجرة ، وأمر عليها عمه حمزة بن
عبد المطلب ، وكان قوامها ثلاثين رجلاً من المهاجرين ، وقد واصلوا سيرهم
حتى بلغوا سيف البحر – أي ساحل البحر الحمر – من ناحية العيص ، واعترضوا
عيراً لقريش قادمة من الشام ، عليها أبو جهل ، في ثلاثمائة رجل ، فاصطف
الفريقان ، وكاد يقع القتال ، لكن توسط مجدي بن عمرو الجهني ، فانصرف
الفريقان .
كانت هذه السرية أول عمل عسكري في تاريخ
الإسلام ، وكان لواؤها أبيض ، وهو أول لواء عقد في تاريخ الإسلام ، وحمل
اللواء أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي .
ثم تتابعت البعوث
والسرايا فأرسل في شوال عبيدة بن الحارث في ستين رجلاً من المهاجرين إلى
بطن رابغ فلقي أبو سفيان وهو في مائتي رجل ، فوقع الترامي دون القتال .
ثم أرسل في ذي القعدة سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلاً من المهاجرين إلى الخرار قريباً من رابغ فلم يلق كيداً .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى الأبواء أو ودان
في صفر سنة 2 ه في سبعين رجلاً من المهاجرين ، فلم يلق أحداً وعقد ميثاق
الأمان والتناصر مع عمرو بن مخشي الضمري ، وكانت أول غزوة خرج لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
ثم خرج إلى بواط من ناحية رضوى ، في ربيع الأول سنة 2 ه في مائتي من المهاجرين، فلم يلق أحداً .
وفي نفس الشهر أغار كرز بن جابر الفهري على مراعي المدينة وساق
بعض المواشي ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه إلى سفوان من
ناحية بدر ، في سبعين رجلاً من المهاجرين ، ولكن كرزاً أفلت ونجح في
الفرار ، وهذه الغزوة تسمة بغزوة بدر الأولى .
ثم خرج في
جمادي الأولى أو الآخرة سنة 2 ه إلى ذي العشيرة في مائة وخمسين ، أو في
مائتين من المهاجرين ، يعترض عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام ، ولكنها فاتته
قبل أيام ، وعقد ميثاق عدم العدوان مع بني مدلج .
ثم بعث
في شهر رجب سنة 2 ه عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة ، بين مكة والطائف ،
في اثني عشر رجلاً من المهاجرين ، ليأتوا بخبر عير قريش ، لكنهم هجموا
عليها فقتلوا رجلاً ، وأسروا اثنين ، وساقوا العير ، وغضب رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ذلك ، ولم يرض به ، فأطلق الأسيرين وأدى دية المقتول .
وكان الحادث في آخر يوم من رجب ، فأثار المشركون ضجة بأن
المسلمين انتهكوا حرمة الشهر الحرام . فأنزل الله : ( يسألونك عن الشهر
الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) .
وفي شعبان سنة 2 ه حول الله القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة
وكان ذلك مما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتظره ، وقد انكشف بذلك
بعض المخادعين من المنافقين واليهود الذين دخلوا في الإسلام زوراً فارتدوا
وتطهرت صفوف المسلمين منهم .
تلك هي التحركات العسكرية
التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون لحفظ أمن المدينة
وأطرافها ، ولإشعار قريش بسوء عاقبتها إن لم تكف عن شرها ، ولكنها ازدادت
في العلو والإستكبار ، فلاقت جزاء أمرها في بدر ، وكان عاقبة أمرها خسراً .